سورة ص - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ص)


        


قوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان} أي: ابتليناه، واختبرناه. قال الواحدي: قال أكثر المفسرين: تزوّج سليمان امرأة من بنات الملوك، فعبدت الصنم في داره، ولم يعلم بذلك سليمان، فامتحن بسبب غفلته عن ذلك. وقيل: إن سبب الفتنة: أنه تزوّج سليمان امرأة يقال لها: جرادة، وكان يحبها حباً شديداً، فاختصم إليه فريقان: أحدهما: من أهل جرادة، فأحبّ أن يكون القضاء لهم، ثم قضى بينهم بالحق. وقيل: إن السبب: أنه احتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يقضي بين أحد. وقيل: إنه تزوّج جرادة هذه، وهي مشركة؛ لأنه عرض عليها الإسلام، فقالت: اقتلني، ولا أسلم.
وقال كعب الأحبار: إنه لما ظلم الخيل بالقتل سلب ملكه.
وقال الحسن: إنه قارب بعض نسائه في شيء من حيض أو غيره. وقيل: إنه أمر أن لا يتزوّج امرأة إلا من بني إسرائيل، فتزوّج امرأة من غيرهم. وقيل: إن سبب فتنته ما ثبت في الحديث الصحيح: أنه قال: لأطوفنّ الليلة على تسعين امرأة تأتي كلّ واحدة بفارس يقاتل في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله. وقيل غير ذلك. ثم بيّن سبحانه ما عاقبه به، فقال: {وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً} انتصاب {جسداً} على أنه مفعول {ألقينا}، وقيل: انتصابه على الحال على تأويله بالمشتق، أي: ضعيفاً، أو فارغاً، والأوّل أولى. قال أكثر المفسرين: هذا الجسد الذي ألقاه الله على كرسيّ سليمان هو شيطان اسمه: صخر، وكان متمّرداً عليه غير داخل في طاعته، ألقى الله شبه سليمان عليه، وما زال يحتال حتى ظفر بخاتم سليمان، وذلك عند دخول سليمان الكنيف؛ لأنه كان يلقيه إذا دخل الكنيف، فجاء صخر في صورة سليمان، فأخذ الخاتم من امرأة من نساء سليمان، فقعد على سرير سليمان، وأقام أربعين يوماً على ملكه، وسليمان هارب.
وقال مجاهد: إن شيطاناً قال له سليمان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك، فلما أعطاه إياه نبذه في البحر، فذهب ملكه، وقعد الشيطان على كرسيه، ومنعه الله نساء سليمان، فلم يقربهنّ، وكان سليمان يستطعم، فيقول: أتعرفونني أطعموني؟ فيكذبوه حتى أعطته امرأة يوماً حوتاً، فشقّ بطنه، فوجد خاتمه في بطنه، فرجع إليه ملكه، وهو معنى قوله: {ثُمَّ أَنَابَ} أي: رجع إلى ملكه بعد أربعين يوماً. وقيل: معنى أناب: رجع إلى الله بالتوبة من ذنبه، وهذا هو الصواب، وتكون جملة: {قَالَ رَبّ اغفر لِى} بدلاً من جملة أناب، وتفسيراً له، أي: اغفر لي ما صدر عني من الذنب الذي ابتليتني لأجله. ثم لما قدّم التوبة، والاستغفار جعلها وسيلة إلى إجابة طلبته، فقال: {وَهَبْ لِى مُلْكاً لاَّ يَنبَغِى لأحَدٍ مّن بَعْدِى} قال أبو عبيدة: معنى لا ينبغي لأحد من بعده: لا يكون لأحد من بعدي.
وقيل: المعنى: لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني بعد هذه السلبة، أو لا يصح لأحد من بعدي لعظمته، وليس هذا من سؤال نبيّ الله سليمان عليه السلام للدنيا، وملكها، والشرف بين أهلها، بل المراد بسؤاله الملك: أن يتمكن به من إنفاذ أحكام الله سبحانه، والأخذ على يد المتمرّدين من عباده من الجنّ، والإنس، ولو لم يكن من المقتضيات لهذا السؤال منه إلا ما رآه عند قعود الشيطان على كرسيه من الأحكام الشيطانية الجارية في عباد الله، وجملة: {إِنَّكَ أَنتَ الوهاب} تعليل لما قبلها مما طلبه من مغفرة الله له وهبة الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، أي: فإنك كثير الهبات عظيم الموهوبات. ثم ذكر سبحانه إجابته لدعوته، وإعطاءه لمسألته، فقال: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح} أي: ذللناها له، وجعلناها منقادة لأمره. ثم بيّن كيفية التسخير لها بقوله: {تَجْرِى بِأَمْرِهِ رُخَاء} أي: لينة الهبوب ليست بالعاصف، مأخوذ من الرخاوة، والمعنى: أنها ريح لينة لا تزعزع، ولا تعصف مع قوة هبوبها، وسرعة جريها، ولا ينافي هذا قوله في آية أخرى {ولسليمان الريح عَاصِفَةً تَجْرِى بِأَمْرِهِ} [الأنبياء: 81] لأن المراد: أنها في قوة العاصفة، ولا تعصف. وقيل: إنها كانت تارة رخاء، وتارة عاصفة على ما يريده سليمان، ويشتهيه، وهذا أولى في الجمع بين الآيتين {حَيْثُ أَصَابَ} أي: حيث أراد. قال الزجاج: إجماع أهل اللغة والمفسرين أن معنى {حيث أصاب}: حيث أراد، وحقيقته حيث قعد.
وقال الأصمعي، وابن الأعرابي: العرب تقول: أصاب الصواب، وأخطأ الجواب. وقيل: إن معنى أصاب بلغة حمير: أراد، وليس من لغة العرب، وقيل: هو بلسان هجر، والأول أولى، وهو مأخوذ من إصابة السهم للغرض {والشياطين} معطوف على الريح، أي: وسخرنا له الشياطين، وقوله: {كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ} بدل من الشياطين، أي: كل بناء منهم، وغواص منهم يبنون له ما يشاء من المباني، ويغوصون في البحر، فيستخرجون له الدر منه، ومن هذا قول الشاعر:
إلا سليمان إذ قال الجليل له *** قم في البرية فاحددها عن الفند
وخيس الجن أني قد أذنت لهم *** يبنون تدمر بالصفاح والعمد
{وَءاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِى الأصفاد} معطوف على كل داخل في حكم البدل، وهم مردة الشياطين سخروا له حتى قرنهم في الأصفاد. يقال: قرنهم في الحبال إذا كانوا جماعة كثيرة، والأصفاد: الأغلال واحدها صفد. قال الزجاج: هي السلاسل، فكل ما شددته شداً وثيقاً بالحديد، وغيره، فقد صفدته. قال أبو عبيدة: صفدت الرجل، فهو: مصفود، وصفدته، فهو: مصفد، ومن هذا قول عمرو بن كلثوم في معلقته:
فآبوا بالنهاب وبالسبايا *** وأبنا بالملوك مصفدينا
قال يحيى بن سلام: ولم يكن يفعل ذلك إلا بكفارهم، فإذا آمنوا أطلقهم، ولم يسخرهم، والإشارة بقوله: {هذا} إلى ما تقدم من تسخير الريح، والشياطين له، وهو بتقدير القول، أي: وقلنا له: {هذا عَطَاؤُنَا} الذي أعطيناكه من الملك العظيم الذي طلبته {فامنن أَوْ أَمْسِكْ} قال الحسن، والضحاك، وغيرهما: أي فأعط من شئت، وامنع من شئت {بِغَيْرِ حِسَابٍ} لا حساب عليك في ذلك الإعطاء، أو الإمساك، أو عطاؤنا لك بغير حساب لكثرته، وعظمته.
وقال قتادة: إن قوله: {هذا عَطَاؤُنَا} إشارة إلى ما أعطيه من قوة الجماع، وهذ لا وجه لقصر الآية عليه لو قدّرنا أنه قد تقدم ذكره من جملة تلك المذكورات، فكيف يدعي اختصاص الآية به مع عدم ذكره؟ {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى} أي: قربة في الآخرة {وَحُسْنُ مَئَابٍ}، وحسن مرجع، وهو: الجنة.
وقد أخرج الفريابي، والحكيم الترمذي، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً} قال: هو الشيطان الذي كان على كرسيه يقضي بين الناس أربعين يوماً، وكان لسليمان امرأة يقال لها: جرادة، وكان بين بعض أهلها، وبين قوم خصومة، فقضى بينهم بالحق إلا أنه ود أن الحق كان لأهلها، فأوحى الله إليه أن سيصيبك بلاء، فكان لا يدري أيأتيه من السماء أم من الأرض؟ وأخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، قال السيوطي بسند قوي: عن ابن عباس قال: أراد سليمان أن يدخل الخلاء، فأعطى لجرادة خاتمه، وكانت جرادة امرأته، وكانت أحب نسائه إليه، فجاء الشيطان في صورة سليمان، فقال لها: هاتي خاتمي، فأعطته، فلما لبسه دانت له الإنس، والجن، والشياطين، فلما خرج سليمان من الخلاء قال: هاتي خاتمي، قالت: قد أعطيته سليمان. قال: أنا سليمان، قالت: كذبت لست سليمان، فجعل لا يأتي أحداً يقول: أنا سليمان إلا كذبه، حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة، فلما رأى ذلك عرف أنه من أمر الله، وقام الشيطان يحكم بين الناس، فلما أراد الله أن يرد على سليمان سلطانه ألقى في قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان، فأرسلوا إلى نساء سليمان، فقالوا لهن: تنكرن من أمر سليمان شيئاً؟ قلن: نعم إنه يأتينا، ونحن نحيض، وما كان يأتينا قبل ذلك، فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له ظن أن أمره قد انقطع، فكتبوا كتباً فيها سحر، وكفر، فدفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أثاروها، وقرءوها على الناس، وقالوا: بهذا كان يظهر سليمان على الناس، ويغلبهم، فأكفر الناس سليمان، فلم يزالوا يكفرونه، وبعث ذلك الشيطان بالخاتم، فطرحه في البحر فتلقته سمكة، فأخذته، وكان سليمان يعمل على شط البحر بالأجر، فجاء رجل، فاشترى سمكاً فيه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم، فدعا سليمان، فقال: تحمل لي هذا السمك؟ قال: نعم، قال: بكم؟ قال: بسمكة من هذا السمك، فحمل سليمان السمك، ثم انطلق به إلى منزله، فلما انتهى الرجل إلى باب داره أعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم، فأخذها سليمان، فشق بطنها، فإذا الخاتم في جوفها، فأخذه، فلبسه، فلما لبسه دانت له الجنّ، والإنس، والشياطين، وعاد إلى حاله، وهرب الشيطان حتى لحق بجزيرة من جزائر البحر، فأرسل سليمان في طلبه، وكان شيطاناً مريداً، فجعلوا يطلبونه، ولا يقدرون عليه حتى وجدوه يوماً نائماً، فجاءوا، فبنوا عليه بنياناً من رصاص، فاستيقظ، فوثب، فجعل لا يثب في مكان من البيت إلا انماط معه الرصاص، فأخذوه، فأوثقوه، وجاءوا به إلى سليمان، فأمر به، فنقر له تخت من رخام، ثم أدخله في جوفه، ثم شدّ بالنحاس، ثم أمر به، فطرح في البحر، فذلك قوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً} يعني: الشيطان الذي كان سلط عليه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً} قال: صخر الجني تمثل على كرسيه على صورته.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ عفريتاً من الجنّ جعل يتفلت عليّ البارحة؛ ليقطع عليّ صلاتي، وإن الله أمكنني منه، فلقد هممت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا، فتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: {وَهَبْ لِى مُلْكاً لاَّ يَنبَغِى لأحَدٍ مّن بَعْدِى} فردّه الله خاسئاً».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فامنن} يقول: اعتق من الجنّ من شئت، وأمسك منهم من شئت.


قوله: {واذكر عَبْدَنَا أَيُّوبَ} معطوف على قوله: {واذكر عَبْدَنَا دَاوُود} وأيوب عطف بيان، و{إِذْ نادى رَبَّهُ} بدل اشتمال من عبدنا {أَنّى مَسَّنِىَ الشيطان} قرأ الجمهور بفتح الهمزة على أنه حكاية لكلامه الذي نادى ربه به، ولو لم يحكه لقال: إنه مسه. وقرأ عيسى بن عمر بكسرها على إضمار القول. وفي ذكر قصة أيوب إرشاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاقتداء به في الصبر على المكاره. قرأ الجمهور بضم النون من قوله: {بِنُصْبٍ} وسكون الصاد، فقيل: هو جمع نصب بفتحتين نحو أسد، وأسد، وقيل: هو لغة في النصب، نحو رشد، ورشد. وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وشيبة، وحفص، ونافع في رواية عنه بضمتين، ورويت هذه القراءة عن الحسن. وقرأ أبو حيوة، ويعقوب، وحفص في رواية بفتح، وسكون، وهذه القراءات كلها بمعنى واحد، وإنما اختلفت القراءات باختلاف اللغات.
وقال أبو عبيدة: إن النصب بفتحتين: التعب، والإعياء، وعلى بقية القراءات الشرّ، والبلاء، ومعنى قوله: {وَعَذَابٍ} أي: ألم. قال قتادة، ومقاتل: النصب في الجسد، والعذاب في المال. قال النحاس: وفيه بعد كذا قال. والأولى تفسير النصب بالمعنى اللغوي، وهو: التعب، والإعياء، وتفسير العذاب بما يصدق عليه مسمى العذاب، وهو: الألم، وكلاهما راجع إلى البدن. {اركض بِرِجْلِكَ} هو بتقدير القول، أي: قلنا له: اركض برجلك كذا قال الكسائي، والركض: الدفع بالرجل، يقال: ركض الدابة برجله: إذا ضربها بها.
وقال المبرد: الركض: التحريك. قال الأصمعي: يقال: ركضت الدابة، ولا يقال: ركضت هي؛ لأن الركض إنما هو تحريك راكبها رجليه، ولا فعل لها في ذلك، وحكى سيبويه: ركضت الدابة، فركضت، مثل جبرت العظم، فجبر {هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} هذا أيضاً من مقول القول المقدّر، المغتسل: هو الماء الذي يغتسل به، والشراب: الذي يشرب منه. وقيل: إن المغتسل هو: المكان الذي يغتسل فيه. قال قتادة: هما عينان بأرض الشام في أرض يقال لها: الجابية، فاغتسل من إحداهما، فأذهب الله ظاهر دائه، وشرب من الأخرى فأذهب الله باطن دائه، وكذا قال الحسن.
وقال مقاتل: نبعت عين جارية، فاغتسل فيها، فخرج صحيحاً، ثم نبعت عين أخرى، فشرب منها ماءً عذباً بارداً. وفي الكلام حذف، والتقدير: فركض برجله، فنبعت عين، فقلنا له: {هذا مغتسل} إلخ، وأسند المسّ إلى الشيطان مع أن الله سبحانه هو الذي مسه بذلك: إما لكونه لما عمل بوسوسته عوقب على ذلك بذلك النصب، والعذاب. فقد قيل: إنه أعجب بكثرة ماله، وقيل: استغاثه مظلوم، فلم يغثه، وقيل: إنه قال ذلك على طريقة الأدب، وقيل: إنه قال ذلك؛ لأن الشيطان وسوس إلى أتباعه، فرفضوه، وأخرجوه من ديارهم، وقيل: المراد به.
ما كان يوسوسه الشيطان إليه حال مرضه، وابتلائه من تحسين الجزع، وعدم الصبر على المصيبة، وقيل غير ذلك. وقوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ} معطوف على مقدّر كأنه قيل: فاغتسل، وشرب، فكشفنا بذلك ما به من ضرّ، ووهبنا له أهله. قيل: أحياهم الله بعد أن أماتهم، وقيل: جمعهم بعد تفرقهم، وقيل: غيرهم مثلهم، ثم زاده مثلهم معهم، وهو معنى قوله: {وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} فكانوا مثلى ما كانوا من قبل ابتلائه، وانتصاب قوله: {رَحْمَةً مّنَّا وذكرى لأوْلِى الألباب} على أنه مفعول لأجله، أي: وهبناهم له لأجل رحمتنا إياه، وليتذكر بحاله أولو الألباب، فيصبروا على الشدائد كما صبر، وقد تقدّم في سورة الأنبياء تفسير هذه الآية مستوفى، فلا نعيده. {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً} معطوف على {اركض}، أو على {وهبنا}؛ أو التقدير، وقلنا له: {خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً}، والضغث: عثكال النخل بشماريخه، وقيل: هو قبضة من حشيش مختلط رطبها بيابسها، وقيل: الحزمة الكبيرة من القضبان، وأصل المادّة تدلّ على جمع المختلطات. قال الواحدي: الضغث: ملء الكفّ من الشجر، والحشيش، والشماريخ {فاضرب بّهِ وَلاَ تَحْنَثْ} أي: اضرب بذلك الضغث، ولا تحنث في يمينك، والحنث: الإثم، ويطلق على فعل ما حلف على تركه، وكان أيوب قد حلف في مرضه أن يضرب امرأته مائة جلدة.
واختلف في سبب ذلك، فقال سعيد بن المسيب: إنها جاءته بزيادة على ما كانت تأتيه به من الخبز، فخاف خيانتها، فحلف ليضربنها.
وقال يحيى بن سلام، وغيره: إن الشيطان أغواها أن تحمل أيوب على أن يذبح سخلة تقرّباً إليه، فإنه إذا فعل ذلك برئ، فحلف ليضربنها إن عوفي مائة جلدة. وقيل: باعت ذؤابتها برغيفين إذ لم تجد شيئاً، وكان أيوب يتعلق بها إذا أراد القيام، فلهذا حلف ليضربنها. وقيل: جاءها إبليس في صورة طبيب، فدعته لمداواة أيوب، فقال: أداويه على أنه إذا برئ قال: أنت شفيتني، لا أريد جزاء سواه، قالت: نعم، فأشارت على أيوب بذلك، فحلف ليضربنها.
وقد اختلف العلماء هل هذا خاصّ بأيوب، أو عامّ للناس كلهم؟ وأن من حلف خرج من يمينه بمثل ذلك. قال الشافعي: إذا حلف ليضربنّ فلاناً مائة جلدة، أو ضرباً، ولم يقل: ضرباً شديداً، ولم ينوِ بقلبه، فيكفيه مثل هذا الضرب المذكور في الآية، حكاه ابن المنذر عنه، وعن أبي ثور، وأصحاب الرأي.
وقال عطاء: هو خاصّ بأيوب، ورواه ابن القاسم عن مالك. ثم أثنى الله سبحانه على أيوب، فقال: {إِنَّا وجدناه صَابِراً} أي: على البلاء الذي ابتليناه به، فإنه ابتلي بالداء العظيم في جسده، وذهاب ماله، وأهله، وولده، فصبر {نِعْمَ العبد} أي: أيوب {إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي: رجاع إلى الله بالاستغفار، والتوبة.
{واذكر عِبَادَنَا إبراهيم وإسحاق وَيَعْقُوبَ} قرأ الجمهور: {عبادنا} بالجمع. وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وحميد، وابن محيصن، وابن كثير: {عبدنا} بالإفراد. فعلى قراءة الجمهور يكون إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب عطف بيان، وعلى القراءة الأخرى يكون إبراهيم عطف بيان، وما بعده عطف على عبدنا لا على إبراهيم.
وقد يقال: لما كان المراد بعبدنا الجنس جاز إبدال الجماعة منه. وقيل: إن إبراهيم، وما بعده بدل، أو النصب بإضمار أعني، وعطف البيان أظهر، وقراءة الجمهور أبين، وقد اختارها أبو عبيد، وأبو حاتم {أُوْلِى الأيدى والأبصار} الأيدي، جمع اليد التي بمعنى: القوّة، والقدرة. قال قتادة: أعطوا قوّة في العبادة، ونصراً في الدين. قال الواحدي: وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير، والمفسرون. قال النحاس: أما الأبصار، فمتفق على أنها البصائر في الدين، والعلم. وأما الأيدي، فمختلف في تأويلها، فأهل التفسير يقولون: إنها القوّة في الدين، وقوم يقولون: الأيدي جمع يد، وهي النعمة، أي: هم أصحاب النعم، أي: الذين أنعم الله عزّ وجلّ عليهم، وقيل: هم أصحاب النعم على الناس، والإحسان إليهم، لأنهم قد أحسنوا، وقدّموا خيراً، واختار هذا ابن جرير. قرأ الجمهور {أولي الأيدي} بإثبات الياء في الأيدي. وقرأ ابن مسعود، والأعمش، والحسن، وعيسى: {الأيد} بغير ياء، فقيل معناها: معنى القراءة الأولى، وإنما حذفت الياء لدلالة كسرة الدال عليها، وقيل الأيد: القوّة وجملة: {إِنَّا أخلصناهم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدار} تعليل لما وصفوا به. قرأ الجمهور: {بخالصة} بالتنوين، وعدم الإضافة على أنها مصدر، بمعنى: الإخلاص، فيكون ذكرى منصوباً به، أو بمعنى: الخلوص، فيكون ذكرى مرفوعاً به، أو يكون خالصة اسم فاعل على بابه، وذكرى بدل منها، أو بيان لها، أو بإضمار أعني، أو مرفوعة بإضمار مبتدأ، والدار يجوز أن تكون مفعولاً به لذكرى، وأن تكون ظرفاً: إما على الاتساع، أو على إسقاط الخافض، وعلى كل تقدير، فخالصة صفة لموصوف محذوف، والباء للسببية، أي: بسبب خصلة خالصة. وقرأ نافع، وشيبة، وأبو جعفر، وهشام عن ابن عامر بإضافة خالصة إلى ذكرى على أن الإضافة للبيان، لأن الخالصة تكون ذكرى، وغير ذكرى، أو على أن خالصة مصدر مضاف إلى مفعوله، والفاعل محذوف. أي: بأن أخلصوا ذكرى الدار، أو مصدر بمعنى: الخلوص مضافاً إلى فاعله. قال مجاهد: معنى الآية: استصفيناهم بذكر الآخرة، فأخلصناهم بذكرها.
وقال قتادة: كانوا يدعون إلى الآخرة، وإلى الله.
وقال السدّي: أخلصوا بخوف الآخرة. قال الواحدي: فمن قرأ بالتنوين في خالصة كان المعنى: جعلناهم لنا خالصين بأن خلصت لهم ذكرى الدار، والخالصة مصدر بمعنى: الخلوص، والذكرى بمعنى: التذكر، أي: خلص لهم تذكر الدار، وهو أنهم يذكرون التأهب لها، ويزهدون في الدنيا، وذلك من شأن الأنبياء. وأما من أضاف، فالمعنى: أخلصنا لهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار، والخالصة مصدر مضاف إلى الفاعل، والذكرى على هذا المعنى: الذكر {وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المصطفين الأخيار} الاصطفاء: الاختيار، والأخيار جمع خير بالتشديد والتخفيف كأموات في جمع ميت مشدّداً ومخففاً؛ والمعنى: إنهم عندنا لمن المختارين من أبناء جنسهم من الأخيار.
{واذكر إسماعيل} قيل: وجه إفراده بالذكر بعد ذكر أبيه، وأخيه، وابن أخيه؛ للإشعار بأنه عريق في الصبر الذي هو المقصود بالتذكير هنا {واليسع وَذَا الكفل} قد تقدّم ذكر اليسع، والكلام فيه في الأنعام، وتقدَّم ذكر ذا الكفل، والكلام فيه في سورة الأنبياء، والمراد من ذكر هؤلاء: أنهم من جملة من صبر من الأنبياء، وتحملوا الشدائد في دين الله. أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يذكرهم؛ ليسلك مسلكهم في الصبر {وَكُلٌّ مّنَ الأخيار} يعني: الذين اختارهم الله لنبوّته، واصطفاهم من خلقه. {هذا ذِكْر} الإشارة إلى ما تقدّم من ذكر أوصافهم، أي: هذا ذكر جميل في الدنيا، وشرف يذكرون به أبداً {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} أي: لهم مع هذا الذكر الجميل حسن مآب في الآخرة، والمآب: المرجع، والمعنى: أنهم يرجعون في الآخرة إلى مغفرة الله، ورضوانه، ونعيم جنته. ثم بيّن حسن المرجع، فقال: {جنات عَدْنٍ} قرأ الجمهور: {جنات} بالنصب بدلاً من حسن مآب، سواء كان جنات عدن معرفة، أو نكرة؛ لأن المعرفة تبدل من النكرة، وبالعكس، ويجوز أن يكون جنات عطف بيان إن كانت نكرة، ولا يجوز ذلك فيها إن كانت معرفة على مذهب جمهور النحاة، وقد جوزه بعضهم. ويجوز أن يكون نصب جنات بإضمار فعل. والعدن في الأصل: الإقامة، يقال: عدن بالمكان: إذا أقام فيه، وقيل: هو اسم لقصر في الجنة، وقرئ برفع جنات على أنها مبتدأ. وخبرها مفتحة، أو على أنها خبر مبتدأ محذوف، أي: هي جنات عدن، وقوله: {مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب} حال من جنات، والعامل فيها ما في المتقين من معنى الفعل، والأبواب مرتفعة باسم المفعول: كقوله: {وَفُتِحَتْ أبوابها} [الزمر: 43] والرّابط بين الحال، وصاحبها ضمير مقدر، أي: منها، أو الألف، واللام لقيامه مقام الضمير، إذ الأصل أبوابها. وقيل: إن ارتفاع الأبواب على البدل من الضمير في مفتحة، العائد على جنات، وبه قال أبو عليّ الفارسي أي: مفتحة هي الأبواب. قال الفراء: المعنى: مفتحة أبوابها، والعرب تجعل الألف، واللام خلفاً من الإضافة.
وقال الزجاج: المعنى: مفتحة لهم الأبواب منها. قال الحسن: إن الأبواب يقال لها: انفتحي فتنفتح، انغلقي، فتنغلق. وقيل: تفتح لهم الملائكة الأبواب، وانتصاب {مُّتَّكِئِينَ فِيهَا} على الحال من ضمير لهم، والعامل فيه مفتحة، وقيل: هو حال من {يَدَّعُونَ} قدّمت على العامل {فِيهَا} أي: يدعون في الجنات حال كونهم متكئين فيها {بفاكهة كَثِيرَةٍ} أي: بألوان متنوّعة متكثرة من الفواكه {وَشَرَاب} كثير، فحذف كثيراً لدلالة الأوّل عليه، وعلى جعل {مُتَّكِئِينَ} حالاً من ضمير لهم، والعامل فيه مفتحة، فتكون جملة {يَدَّعُونَ} مستأنفة لبيان حالهم.
وقيل: إن يدعون في محل نصب على الحال من ضمير متكئين. {وَعِندَهُمْ قاصرات الطرف أَتْرَابٌ} أي: قاصرات طرفهنّ على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم، وقد مضى بيانه في سورة الصافات. والأتراب: المتحدات في السنّ، أو المتساويات في الحسن.
وقال مجاهد: معنى أتراب: أنهنّ متواخيات لا يتباغضن، ولا يتغايرن. وقيل: أتراباً للأزواج. والأتراب: جمع ترب، واشتقاقه من التراب، لأنه يمسهنّ في وقت واحد لاتحاد مولدهنّ. {هذا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الحساب} أي: هذا الجزاء الذي وعدتم به لأجل يوم الحساب، فإن الحساب علة للوصول إلى الجزاء، أو المعنى: في يوم الحساب. قرأ الجمهور: {ما توعدون} بالفوقية على الخطاب. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن محيصن، ويعقوب بالتحتية على الخبر، واختار هذه القراءة أبو عبيد، وأبو حاتم لقوله: {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ}، فإنه خبر {إِنَّ هذا لَرِزْقُنَا} أي: إن هذا المذكور من النعم، والكرامات لرزقنا الذي أنعمنا به عليكم {مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} أي: انقطاع، ولا يفنى أبداً، ومثله قوله: {عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108] فنعم الجنة لا تنقطع عن أهلها.
وقد أخرج أحمد في الزهد، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن ابن عباس قال: إن الشيطان عرج إلى السماء، فقال: يا رب سلطني على أيوب، قال الله: لقد سلطتك على ماله، وولده، ولم أسلطك على جسده، فنزل، فجمع جنوده، فقال لهم: قد سلطت على أيوب، فأروني سلطانكم، فصاروا نيراناً، ثم صاروا ماء، فبينما هم في المشرق إذا هم بالمغرب، وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق. فأرسل طائفة منهم إلى زرعه، وطائفة إلى أهله، وطائفة إلى بقره، وطائفة إلى غنمه، وقال: إنه لا يعتصم منكم إلا بالمعروف، فأتوه بالمصائب بعضها على بعض، فجاء صاحب الزرع، فقال: يا أيوب ألم ترَ إلى ربك أرسل على زرعك ناراً، فأحرقته؟ ثم جاء صاحب الإبل، فقال: يا أيوب ألم ترَ إلى ربك أرسل إلى إبلك عدواً، فذهب بها؟ ثم جاء صاحب البقر فقال: يا أيوب ألم ترَ إلى ربك أرسل إلى بقرك عدواً، فذهب بها؟ ثم جاءه صاحب الغنم فقال: يا أيوب ألم ترَ إلى ربك أرسل على غنمك عدواً، فذهب بها؟ وتفرد هو لبنيه، فجمعهم في بيت أكبرهم، فبينما هم يأكلون، ويشربون إذ هبت ريح، فأخذت بأركان البيت، فألقته عليهم، فجاء الشيطان إلى أيوب بصورة غلام بأذنيه قرطان، فقال: يا أيوب ألم ترَ إلى ربك جمع بنيك في بيت أكبرهم، فبينما هم يأكلون، ويشربون إذ هبت ريح، فأخذت بأركان البيت، فألقته عليهم، فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم، ولحومهم بطعامهم، وشرابهم؟ فقال له أيوب: فأين كنت؟ قال: كنت معهم، قال: فكيف انفلتّ؟ قال: انفلت، قال أيوب: أنت الشيطان؛ ثم قال أيوب: أنا اليوم كيوم ولدتني أمي، فقام، فحلق رأسه، وقام يصلي، فرنّ إبليس رنة سمعها أهل السماء، وأهل الأرض، ثم عرج إلى السماء، فقال: أي رب إنه قد اعتصم، فسلطني عليه، فإني لا أستطيعه إلا بسلطانك، قال: قد سلطتك على جسده، ولم أسلطك على قلبه، فنزل، فنفخ تحت قدمه نفخة قرح ما بين قدمه إلى قرنه، فصار قرحة واحدة، وألقي على الرماد حتى بدا حجاب قلبه، فكانت امرأته تسعى عليه، حتى قالت له: ألا ترى يا أيوب قد نزل والله بي من الجهد والفاقة ما إن بعت قروني برغيف، فأطعمتك، فادع الله أن يشفيك، ويريحك قال: ويحك كنا في النعيم سبعين عاماً، فاصبري حتى نكون في الضراء سبعين عاماً، فكان في البلاء سبع سنين، ودعا، فجاء جبريل يوماً، فدعا بيده، ثم قال: قم، فقام، فنحاه عن مكانه، وقال: اركض برجلك هذا مغتسل بارد، وشراب، فركض برجله، فنبعت عين، فقال: اغتسل، فاغتسل منها، ثم جاء أيضاً، فقال: اركض برجلك، فنبعت عين أخرى فقال له: اشرب منها، وهو قوله: {اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}، وألبسه الله حلة من الجنة، فتنحى أيوب، فجلس في ناحية، وجاءت امرأته، فلم تعرفه، فقالت: يا عبد الله أين المبتلي الذي كان ها هنا؟ لعل الكلاب قد ذهبت به، أو الذئاب، وجعلت تكلمه ساعة، فقال: ويحك أنا أيوب قد ردّ الله عليّ جسدي، ورد عليه ماله، وولده عياناً، ومثلهم معهم، وأمطر عليه جراداً من ذهب، فجعل يأخذ الجراد بيده، ثم يجعله في ثوبه، وينشر كساءه، ويأخذه، فيجعل فيه، فأوحى الله إليه: يا أيوب أما شبعت؟ قال: يا رب من ذا الذي يشبع من فضلك، ورحمتك؟ وفي هذا نكارة شديدة، فإن الله سبحانه لا يمكن الشيطان من نبي من أنبيائه، ويسلط عليه هذا التسليط العظيم.
وأخرج أحمد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن ابن عباس قال: إن إبليس قعد على الطريق، وأخذ تابوتاً يداوي الناس، فقالت امرأة أيوب: يا عبد الله إن ها هنا مبتلى من أمره كذا وكذا، فهل لك أن تداويه؟ قال: نعم بشرط إن أنا شفيته أن يقول: أنت شفيتني لا أريد منه أجراً غيره. فأتت أيوب، فذكرت له ذلك، فقال: ويحك ذاك الشيطان، لله عليّ إن شفاني الله أن أجلدك مائة جلدة، فلما شفاه الله أمره أن يأخذ ضغثاً، فيضربها به، فأخذ عذقاً فيه مائة شمراخ، فضربها ضربة واحدة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عنه في قوله: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً} قال: هو الأسل.
وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً قال: الضغث: القبضة من المرعى الرطب.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: الضغث: الحزمة.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، والطبراني، وابن عساكر من طريق أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: حملت وليدة في بني ساعدة من زنا، فقيل لها: ممن حملك؟ قالت: من فلان المقعد، فسئل المقعد، فقال: صدقت. فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «خذوا عثكولاً فيه مائة شمراخ، فاضربوه به ضربة واحدة».
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، والطبراني، وابن عساكر نحوه من طريق أخرى عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن سعيد بن سعد بن عبادة.
وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد نحوه.
وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود قال: أيوب رأس الصابرين يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أُوْلِى الأيدى} قال: القوّة في العبادة {والأبصار} قال: الفقه في الدين.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه {أُوْلِى الأيدى} قال: النعمة.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {إِنَّا أخلصناهم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدار} قال: أخلصوا بذكر دار الآخرة أن يعملوا لها.


قوله: {هذا} قال الزجاج: هذا خبر مبتدأ محذوف، أي: الأمر هذا، فيوقف على هذا. قال ابن الأنباري: وهذا وقف حسن، ثم يبتدئ {وَإِنَّ للطاغين}، ويجوز أن يكون هذا مبتدأ، وخبره محذوف، أي: هذا كما ذكر، أو هذا ذكر. ثم ذكر سبحانه ما لأهل الشرّ بعد أن ذكر ما لأهل الخير، فقال: {وَإِنَّ للطاغين لَشَرَّ مَآبٍ} أي: الذين طغوا على الله، وكذبوا رسله {لَشَرَّ مَئَابٍ} لشر منقلب ينقلبون إليه، ثم بيّن ذلك، فقال: {جَهَنَّم يَصْلَوْنَهَا}، وانتصاب {جهنم} على أنها بدل من {شرّ مآب}، أو منصوبة بأعني، ويجوز أن يكون عطف بيان على قول البعض كما سلف قريباً، ويجوز أن يكون منصوباً على الاشتغال، أي: يصلون جهنم يصلونها، ومعنى {يصلونها}: يدخلونها، وهو في محل نصب على الحالية {فَبِئْسَ المهاد} أي: بئس ما مهدوا لأنفسهم، وهو الفراش، مأخوذ من مهد الصبي، ويجوز أن يكون المراد بالمهد الموضع، والمخصوص بالذمّ محذوف، أي: بئس المهاد هي كما في قوله: {لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ} [الأعراف: 41] شبه الله سبحانه ما تحتهم من نار جهنم بالمهاد {هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} هذا في موضع رفع بالابتداء، وخبره حميم، وغساق على التقديم والتأخير، أي: هذا حميم، وغساق، فليذوقوه. قال الفراء، والزجاج: تقدير الآية: هذا حميم وغساق فليذوقوه، أو يقال لهم في ذلك اليوم هذه المقالة. والحميم: الماء الحارّ الذي قد انتهى حرّه، والغساق: ما سال من جلود أهل النار من القيح، والصديد، من قولهم: غسقت عينه إذا انصبت، والغسقان: الانصباب. قال النحاس: ويجوز أن يكون المعنى: الأمر هذا، وارتفاع حميم وغساق على أنهما خبران لمبتدأ محذوف، أي: هو حميم، وغساق، ويجوز أن يكون هذا في موضع نصب بإضمار فعل يفسره ما بعده، أي: ليذوقوا هذا، فليذوقوه، ويجوز أن يكون حميم مرتفع على الابتداء، وخبره مقدّر قبله، أي: منه حميم، ومنه غساق، ومثله قول الشاعر:
حتى إذا ما أضاء البرق في غلس *** وغودر البقل ملويّ ومخضود
أي: منه ملويّ، ومنه مخضود، وقيل: الغساق ما قتل ببرده، ومنه قيل: لليل غاسق، لأنه أبرد من النهار، وقيل: هو الزمهرير، وقيل: الغساق: المنتن، وقيل: الغساق: عين في جهنم يسيل منه كلّ ذوب حية، وعقرب.
وقال قتادة: هو ما يسيل من فروج النساء الزواني، ومن نتن لحوم الكفرة، وجلودهم.
وقال محمد بن كعب: هو: عصارة أهل النار، وقال السدي: الغساق: الذي يسيل من دموع أهل النار يسقونه مع الحميم، وكذا قال ابن زيد.
وقال مجاهد، ومقاتل: هو الثلج البارد الذي قد انتهى برده، وتفسير الغساق بالبارد أنسب بما تقتضيه لغة العرب، ومنه قول الشاعر:
إذا ما تذكرت الحياة وطيبها *** إليّ جرى دمع من الليل غاسق
أي: بارد، وأنسب أيضاً بمقابلة الحميم. وقرأ أهل المدينة، وأهل البصرة، وبعض الكوفيين بتخفيف السين من {غساق}، وقرأ يحيى بن وثاب، والأعمش، وحمزة بالتشديد، وهما لغتان بمعنى واحد كما قال الأخفش. وقيل: معناهما مختلف؛ فمن خفف، فهو اسم مثل عذاب، وجواب، وصواب، ومن شدّد قال: هو اسم فاعل للمبالغة نحو ضرّاب، وقتال {وَءاخَرُ مِن شَكْلِهِ} قرأ الجمهور: {وآخر} مفرد مذكر، وقرأ أبو عمرو: {وأخر} بضم الهمزة على أنه جمع، وأنكر قراءة الجمهور لقوله أزواج، وأنكر عاصم الجحدري قراءة أبي عمرو، وقال: لو كانت كما قرأ لقال: من شكلها، وارتفاع آخر على أنه مبتدأ، وخبره أزواج، ويجوز أن يكون من شكله خبراً مقدّماً، وأزواج مبتدأ مؤخراً، والجملة خبر آخر، ويجوز أن يكون خبراً آخر مقدراً، أي: وآخر لهم، و{مِن شَكْلِهِ أزواج} جملة مستقلة؛ ومعنى الآية على قراءة الجمهور: وعذاب آخر، أو مذوق آخر، أو نوع آخر من شكل العذاب، أو المذوق، أو النوع الأوّل، والشكل المثل، وعلى القراءة الثانية يكون معنى الآية: ومذوقات أخر، أو أنواع أخر من شكل ذلك المذوق، أو النوع المتقدّم. وإفراد الضمير في شكله على تأويل المذكور، أي: من شكل المذكور، ومعنى {أزواج}: أجناس، وأنواع وأشباه. وحاصل معنى الآية: أن لأهل النار حميماً، وغساقاً، وأنواعاً من العذاب من مثل الحميم، والغساق. قال الواحدي: قال المفسرون: هو: الزمهرير، ولا يتمّ هذا الذي حكاه عن المفسرين إلا على تقدير أن الزمهرير أنواع مختلفة، وأجناس متفاوتة؛ ليطابق معنى أزواج، أو على تقدير أن لكلّ فرد من أهل النار زمهريراً. {هذا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ} الفوج: الجماعة، والاقتحام. الدخول، وهذا حكاية لقول الملائكة الذين هم خزنة النار، وذلك أن القادة والرؤساء إذا دخلوا النار، ثم دخل بعدهم الأتباع. قالت الخزنة للقادة: هذا فوج، يعنون: الأتباع {مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ} أي: داخل معكم إلى النار، وقوله: {لاَ مَرْحَباً بِهِمْ} من قول القادة والرؤساء لما قالت لهم الخزنة ذلك قالوا: لا مرحباً بهم، أي: لا اتسعت منازلهم في النار، والرحب: السعة، والمعنى: لا كرامة لهم، وهذا إخبار من الله سبحانه بانقطاع المودة بين الكفار، وأن المودّة التي كانت بينهم تصير عداوة. وجملة لا مرحباً بهم دعائية لا محل لها من الإعراب، أو صفة للفوج، أو حال منه، أو بتقدير القول، أي: مقولاً في حقهم لا مرحباً بهم. وقيل: إنها من تمام قول الخزنة. والأوّل أولى كما يدل عليه جواب الأتباع الآتي، وجملة: {إِنَّهُمْ صَالُو النار} تعليل من جهة القائلين: لا مرحباً بهم، أي: إنهم صالوا النار كما صليناها، ومستحقون لها كما استحقيناها.
وجملة: {قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، أي: قال الأتباع عند سماع ما قاله الرؤساء لهم: بل أنتم لا مرحباً بكم، أي: لا كرامة لكم، ثم عللوا ذلك بقولهم: {أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} أي: أنتم قدّمتم العذاب أو الصليّ لنا، وأوقعتمونا فيه، ودعوتمونا إليه بما كنتم تقولون لنا من أن الحقّ ما أنتم عليه، وأن الأنبياء غير صادقين فيما جاءوا به {بِئْسَ القرار} أي: بئس المقرّ جهنم لنا، ولكم. ثم حكي عن الأتباع أيضاً: أنهم أردفوا هذا القول بقول آخر، وهو: {قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هذا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِى النار} أي: زده عذاباً ذا ضعف، والضعف بأن يزيد عليه مثله، ومعنى من {قدّم لنا هذا}: من دعانا إليه، وسوّغه لنا. قال الفراء: المعنى: من سوّغ لنا هذا، وسنه، وقيل: معناه: قدّم لنا هذا العذاب بدعائه إيانا إلى الكفر، فزده عذاباً ضعفاً في النار، أي: عذاباً بكفره، وعذاباً بدعائه إيانا، فصار ذلك ضعفاً، ومثله قوله سبحانه: {رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَئَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مّنَ النار} [الأعراف: 38] وقوله: {رَبَّنَا ءاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب} [الأحزاب: 68] وقيل: المراد بالضعف هنا: الحيات، والعقارب. {وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نرى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مّنَ الأشرار} قيل: هو من قول الرؤساء، وقيل: من قول الطاغين المذكورين سابقاً. قال الكلبي: ينظرون في النار، فلا يرون من كان يخالفهم من المؤمنين معهم فيها، فعند ذلك قالوا: ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدّهم من الأشرار. وقيل: يعنون: فقراء المؤمنين كعمار، وخباب، وصهيب، وبلال، وسالم، وسلمان. وقيل: أرادوا أصحاب محمد على العموم {أتخذناهم سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبصار} قال مجاهد: المعنى: أتخذناهم سخرياً في الدنيا، فأخطأنا، أم زاغت عنهم الأبصار، فلم نعلم مكانهم؟ والإنكار المفهوم من الاستفهام متوجه إلى كل واحد من الأمرين. قال الحسن: كل ذلك قد فعلوا: اتخذوهم سخرياً، وزاغت عنهم أبصارهم. قال الفراء: والاستفهام هنا بمعنى: التوبيخ، والتعجب. قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وابن كثير، والأعمش بحذف همزة اتخذناهم في الوصل. وهذه القراءة تحتمل أن يكون الكلام خبراً محضاً، وتكون الجملة في محل نصب صفة ثانية ل {رجالاً}، وأن يكون المراد: الاستفهام، وحذفت أداته لدلالة أم عليها، فتكون أم على الوجه الأوّل منقطعة بمعنى: بل، والهمزة، أي: بل أزاغت عنهم الأبصار على معنى: توبيخ أنفسهم على الاستسخار، ثم الإضراب، والانتقال منه إلى التوبيخ على الازدراء، والتحقير، وعلى الثاني أم هي المتصلة. وقرأ الباقون بهمزة استفهام سقطت لأجلها همزة الوصل، ولا محل للجملة حينئذٍ، وفيه التوبيخ لأنفسهم على الأمرين جميعاً؛ لأن أم على هذه القراءة هي للتسوية. وقرأ أبو جعفر، ونافع، وشيبة، والمفضل، وهبيرة، ويحيى بن وثاب، والأعمش، وحمزة، والكسائي: {سخرياً} بضم السين، وقرأ الباقون بكسرها.
قال أبو عبيدة: من كسر جعله من الهزء، ومن ضم جعله من التسخير، والإشارة بقوله: {إِنَّ ذلك} إلى ما تقدّم من حكاية حالهم، وخبر إنّ قوله: {لَحَقُّ} أي: لواقع ثابت في الدار الآخرة لا يتخلف ألبتة، و{تَخَاصُمُ أَهْلِ النار} خبر مبتدأ محذوف، والجملة بيان لذلك، وقيل: بيان لحقّ، وقيل: بدل منه، وقيل: بدل من محل ذلك، ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر، وهذا على قراءة الجمهور برفع تخاصم. والمعنى: إن ذلك الذي حكاه الله عنهم لحقّ لا بدّ أن يتكلموا به، وهو تخاصم أهل النار فيها، وما قالته الرؤساء للأتباع، وما قالته الأتباع لهم. وقرأ ابن أبي عبلة بنصب: {تخاصم} على أنه بدل من ذلك، أو بإضمار أعني. وقرأ ابن السميفع: {تخاصم} بصيغة الفعل الماضي، فتكون جملة مستأنفة. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول قولاً جامعاً بين التخويف، والإرشاد إلى التوحيد، فقال: {قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ مُنذِرٌ} أي: مخوّف لكم من عقاب الله، وعذابه {وَمَا مِنْ إله} يستحق العبادة {إِلاَّ الله الواحد} الذي لا شريك له {القهار} لكل شيء سواه. {رَبّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} من المخلوقات {العزيز} الذي لا يغالبه مغالب {الغفار} لمن أطاعه، وقيل: معنى {العزيز}: المنيع الذي لا مثل له، ومعنى {الغفار}: الستار لذنوب خلقه. ثم أمره سبحانه أن يبالغ في إنذارهم، ويبين لهم عظم الأمر، وجلالته، فقال: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} أي: ما أنذرتكم به من العقاب وما بينته لكم من التوحيد هو خبر عظيم، ونبأ جليل، من شأنه العناية به، والتعظيم له، وعدم الاستخفاف به، ومثل هذه الآية قوله: {عَمَّ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ النبإ العظيم} [النبأ: 1، 2]، وقال مجاهد، وقتادة، ومقاتل: هو: القرآن، فإنه نبأ عظيم؛ لأنه كلام الله. قال الزجاح: قل: النبأ الذي أنبأتكم به عن الله نبأ عظيم، يعني: ما أنبأهم به من قصص الأولين، وذلك دليل على صدقه، ونبوّته؛ لأنه لم يعلم ذلك إلا بوحي من الله، وجملة {أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} توبيخ لهم، وتقريع لكونهم أعرضوا عنه، ولم يتفكروا فيه، فيعلموا صدقه، ويستدلوا به على ما أنكروه من البعث. وقوله: {مَا كَانَ لِىَ مِنْ عِلْمٍ بالملإ الأعلى} استئناف مسوق لتقرير أنه نبأ عظيم، والملأ الأعلى هم: الملائكة {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} أي: وقت اختصامهم؛ فقوله: {بالملإ الأعلى} متعلق بعلم على تضمينه معنى: الإحاطة، وقوله: {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} متعلق بمحذوف، أي: ما كان لي فيما سبق علم بوجه من الوجوه بحال الملأ الأعلى وقت اختصامهم، والضمير في {يختصمون} راجع إلى الملأ الأعلى، والخصومة الكائنة بينهم هي في أمر آدم كما يفيده ما سيأتي قريباً.
وجملة: {إِن يوحى إِلَىَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} معترضة بين اختصامهم المجمل، وبين تفصيله بقوله: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ للملائكة}. والمعنى: ما يوحى إليّ إلا أنما أنا نذير مبين. قال الفراء: المعنى: ما يوحى إليّ إلا أنني نذير مبين أبين لكم ما تأتون من الفرائض، والسنن، وما تدعون من الحرام، والمعصية. قال: كأنك قلت: ما يوحى إليّ إلا الإنذار. قال النحاس: ويجوز أن تكون في محل نصب، بمعنى: ما يوحى إليّ إلا لأنما أنا نذير مبين. قرأ الجمهور بفتح همزة أنما على أنها وما في حيزها في محل رفع لقيامها مقام الفاعل، أي: ما يوحى إليّ إلا الإنذار، أو إلا كوني نذيراً مبيناً، أو في محل نصب، أو جرّ بعد إسقاط لام العلة، والقائم مقام الفاعل على هذا الجارّ والمجرور. وقرأ أبو جعفر بكسر الهمزة؛ لأن في الوحي معنى القول، وهي: القائمة مقام الفاعل على سبيل الحكاية، كأنه قيل: ما يوحى إليّ إلا هذه الجملة المتضمنة لهذا الإخبار، وهو أن أقول لكم إنما أنا نذير مبين. وقيل: إن الضمير في {يختصمون} عائد إلى قريش؛ يعني: قول من قال منهم: الملائكة بنات الله، والمعنى: ما كان لي علم بالملائكة إذ تختصم فيهم قريش، والأوّل أولى.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وَغَسَّاقٌ} قال: الزمهرير {وَءاخَرُ مِن شَكْلِهِ} قال: من نحوه {أزواج} قال: ألوان من العذاب.
وأخرج أحمد، والترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن دلوا من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا» قال الترمذي بعد إخراجه: لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد. قلت: ورشدين فيه مقال معروف.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن مسعود في قوله: {فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِى النار} قال: أفاعي، وحيات.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {بالملإ الأعلى} قال: الملائكة حين شوروا في خلق آدم، فاختصموا فيه، وقالوا: لا تجعل في الأرض خليفة.
وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في قوله: {مَا كَانَ لِىَ مِنْ عِلْمٍ بالملإ الأعلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} قال: هي: الخصومة في شأن آدم حيث قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة: 30].
وأخرج عبد الرزاق، وأحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه، وابن نصر في كتاب الصلاة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني الليلة ربي في أحسن صورة، أحسبه قال في المنام- قال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا، فوضع يده بين كتفيّ حتى وجدت بردها بين ثديّي، أو في نحري، فعلمت ما في السموات، والأرض، ثم قال لي: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم في الكفارات، والكفارات: المكث في المساجد بعد الصلوات، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإبلاغ الوضوء في المكاره»، الحديث.
وأخرج الترمذي وصححه، ومحمد بن نصر، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه من حديث معاذ بن جبل نحوه بأطول منه، وقال: «وإسباغ الوضوء في السبرات».
وأخرج الطبراني، وابن مردويه من حديث جابر بن سمرة نحوه بأخصر منه.
وأخرجا أيضاً من حديث أبي هريرة نحوه، وفي الباب أحاديث.

1 | 2 | 3